مهارات لبناء وتحسين العلاقات الاجتماعية

إنشاء بواسطة أسعد الخضر في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي 19 ديسمبر 2023
مشاركة

الإنسان اجتماعي بطبعه


مهارات لبناء وتحسين العلاقات الاجتماعية


المعالجة النفسية: سحر الشامي


 


يقول ابن خلدون في مقدمته إن "الإنسان كائن اجتماعي بطبعه" ما يعني أنه فُطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيدا عنهم، ويقيم بينه وبينهم علاقات اجتماعية وحوارات تدفع بحياته نحو مستقبل مختلف. وتقول المعاجم إن استعمال كلمة "الإنسان" جاء من الإنس، حيث إن الإنسان يستأنس بمن حوله فلا يعيش حياة عزلة بمفرده. وإن كان من الطبيعي أن تكون حياة الناس "اجتماعية" فإن لهذه الطبيعة أن تنحرف عن طبيعتها نتيجة خيارات شخصية أو نتيجة ظروف سياسية او نتيجة جوائح وكوارث طبيعية أو نتيجة صدمات وأزمات نفسية يمر بها الإنسان..


ف هل يستطيع الإنسان أن يعيش وحده بسلام وأمان دون حاجته للتفاعل مع الآخرين؟


للإجابة عن هذا السؤال تخيل نفسك تائها بالصحراء او في غابة، فما هو أول شيء ستبحث عنه؟ ستجد نفسك تصرخ عسى أن يسمعك أحد وتستنجد وتبحث عن أي أثر للناس، نار مشتعلة، بيت او كوخ أي شيء يشير الى وجود ناس آخرين تستطيع أن تتواصل معهم وتشعر بالأمان، فالإنسان بحاجة للعلاقات الاجتماعية ليحقق شعوره بالأمن والأمان والحب والانتماء ومشاركة الغير.


فكل إنسان لديه حاجات اجتماعية يحققها من خلال علاقاته بالآخرين وتفاعله معهم لا اعتزالهم والنأي بنفسه بعيدا عنهم. فأنت كائن اجتماعي بطبعك شئت أم أبيت، وأنت بحاجة الناس والناس يحتاجونك. وقد أثبتت عدة دراسات أن الناس الذين كان لديهم شبكة علاقات جيدة كانوا أكثر سعادة ورضا وأطول عمرا وأقل عرضة للاضطرابات النفسية والعقلية كالاكتئاب والزهايمر والشيخوخة ومشاكل الذاكرة.


 


مهارات لبناء وتحسين علاقاتك الاجتماعية:


-        القبول غير المشروط:


والقبول شقين: القبول لنفسك، وللآخرين


أولاً: القدرة على تقبّل النفس كما هي: أن تقبل ميزاتك وجوانب القصور والنقص لديك، فالإنسان الذي يدرّب نفسه على أن يتقبّل ذاته كما هي يحس بالرضا عن نفسه، وهذا الرضا لا يتعارض مع الطموح. فأنت تقبل نفسك كما هي وتطمح للأفضل وليس في هذا أي تعارض...


ثانياً: التدرب على قبول الآخرين غير المشروط: إن محاولة تغيير الآخر نفسها تحمل رسالة غير مباشرة بعدم القبول. فالنصائح المبالغ فيها أو التدخل بعنف بقصد المصلحة أو من خلال محاولات "الإصلاح" كلها توحي بعدم قبولك للطرف الآخر وعدم الأمان وبالتالي التباعد والتنافر.


القبول غير المشروط يكون من خلال تقبلنا أن الناس أجناس -كما يقال- مختلفين الطباع والتفكير والشخصيات ولست أنا من يحدد صحة او عدم صحة شيء وتقرير مصيره، أقبل اختلافه معي ووجهات نظر الآخر وأحاول فهم ما وراء السلوك، ما الذي جعله يتصرف بهذه الطريقة؟ ما هي أفكاره التي دفعته للتصرف بهذه الطريقة؟ محاولة تقبل الآخر وفهمه تساعدك على إيجاد وسيلة للتواصل الفعال وبالتالي فعلا توضيح وجهة نظرك وتحسين العلاقة دون أي حساسية للطرف الآخر.


 


-        مهارات التواصل:


من خلال:


1.    التدريب على النظر للأشخاص في أعينهم أثناء التواصل "فالعين مغرفة الكلام" كما يقال، وهذا من شأنه أن ينقل المحبة الحقيقية للآخر والثقة في النفس.


2.    التدرب على استخدام نبرة الصوت المناسبة دون همس أو صراخ واستخدام المفردات المناسبة.


3.    التدريب على استخدام لغة الجسد بطريقة مناسبة، فمن تعوّد مثلاً أن يكتّف يديه، أو يضع ساقاً على ساق، أو يحتمي بحقيبة أو كرسي، سوف يلاحظ أنّ تخليه عن هذه الأمور يساعده على حدوث تفاعل أعمق مع الآخرين.


4.    التدريب على الكلام بصيغة "أنا" دون تعميم أو تمييع الكلام، مما يشجع المسؤولية الشخصية عن المشاعر والأفكار.


 


-        القدرة على التحكم في المشاعر:


لتحقيق قيمة التواصل مع الآخرين يجب أن تكون لدينا قدرة كافية على التحكم في مشاعرنا، فكثير من الناس قرر العزلة بسبب شعور الغضب أو الإحباط مثلا من قبل شخص ما وعمم هذا الشعور على باقي علاقاته وكسر قيمته ب "التواصل مع الآخرين" لهذا السبب فأصبح وحيدا منعزلا الأمر الذي لن يزيد شعوره إلا تعاسة وألماً.


وكي نفهم كيف يتم التعامل مع المشاعر وعلاقة هذا بالسلوك، يجب أن نلقي نظرة على تركيب المخ بطريقة مبسطة لكي نفهم الخلفية التشريحية والفسيولوجية لعملية التحكم في المشاعر.


في المخ الإنساني تنظيمان عصبيان: الأول هو "المخ الوجداني" Emotional Brain والثاني هو "المخ العقلاني الأعلى" Higher Brain.


وظيفة المخ الوجداني تقديم ردود أفعال انفعالية سريعة دون الرجوع للمخ العقلاني مثل الخوف الذي يدفعك للهروب بسرعة عند التعرض للخطر.


أما المخ العقلاني فيحتاج لوقت أطول نسبيا ليفحص المواقف ويحلّلها، فيقوم بكبح جماح المشاعر (كالغضب مثلاً) ليتحكم بها بما يتفق مع مصلحة الإنسان والمجتمع.


فالقدرة على التحكم بالمشاعر تكمن بالتنسيق بين المخ الوجداني المسؤول عن الشعور وبين المخ العقلاني الذي يتعرف على هذه المشاعر ويحاول السيطرة عليها. هذا يعني أننا قد لا نستطيع التحكم في بداية الشعور، لكننا نستطيع أن نتحكم في قراراتنا وتصرفاتنا أثناء الشعور بهذه المشاعر.


أي أننا قد لا نستطيع ان نمنع هياج حصان المشاعر، لأنه ينطلق بسرعة قبل أن نقرر انطلاقه، لكننا نملك "لجاماً" يمكّننا من قيادة هذا الحصان القوي بعد أن ينطلق كي لا يسقطنا من فوقه أو يذهب بنا الى حيث لا نشاء


وهذه مهارة يعني بحاجة للتدريب والممارسة ويمكن أن يساعدك أخصائي في تعلم هذه المهارة بشكل جيد.


 


-        الحدود والحقوق:


اهتم العلاج الجدلي السلوكي بالعلاقات وخصص لها باباً فيه عدة مهارات تساعدك في هذا الشأن نذكر منها:


1.    مهارة GIVE (مهارة العطاء): الهدف منها أن تختار شخصا تريد توطيد العلاقة معه وتقدم له شيئا سواء مادي او معنوي دون مقابل وإنما لتحقيق هدفك في توطيد العلاقة فقط. فكل إنسان يحب أن يشعر أنه ذو قيمة لدى شخص آخر ومقبول ومحبوب وعندما تنفذ مهارة العطاء فأنت تحقق ذلك أيضا مما يسهم في استدامة العلاقات.


2.    مهارة DEAR MAN حيث يرمز كل حرف الى خطوة معينة، ويمكن تسميتها مهارة الطلب: الهدف منها أن تتعلم كيف تطلب شيئاً ما من حقك في علاقاتك مع الآخرين وأن لا تنتظر الأمر أن يحدث وحده إحساناً منهم. فمن حقك ان تطالب بحقوقك في أي علاقة. وهناك خطوات لتنفيذ مهارة الطلب: كن يقظاً باختيار المكان والزمان المناسب، حدد طلبك بالتفصيل لماذا تطلب؟ وماذا تريد؟ ومتى؟ وكم يكلف؟ وأين؟، اطلب بثقة دون استعطاف وترجّي (مع مراعاة أن يكون الطلب من حقك فعلا فلا تتعدى حقوق الطرف الآخر)، ماذا سيستفيد الطرف الآخر إذا نفذ لك طلبك، وما هو البديل في حال الرفض ضع بديلا في عقلك قبل أن تطلب لتحصّل شيئا تعويضياً في حال الرفض. مثال:


الزوجة تريد أن تطلب من زوجها أن تذهب لتناول الغذاء وقضاء وقت مع الأسرة في مكان ما. خطوات الطلب:


أولا: تختار الوقت والمكان المناسب.


ثانيا: تحديد الطلب بالتفصيل: أشعر بالملل وقد قضيت أسبوعاً متعباً وأريد أن تأخذنا الى مطعم المدينة يوم الجمعة الساعة الثانية ظهرا ويمكننا قضاء ساعتين هناك ونطلب المشاوي والمقبلات سيكلفنا الغداء حوالي 70 ألف ليرة سورية (مثلا) ثالثاً: ماذا سيستفيد؟ هكذا سنتمكن من قضاء وقت ممتع مع الأولاد خارج البيت وهذا سينعكس بالتأكيد عليك وعلى البيت بشكل إيجابي.  


أخيرا في حالة الرفض: ما رأيك أن نذهب إذا لبائع الشاورما في آخر الحارة نشتري سندويش ونتمشى قليلا لن يكلفك الأمر أكثر من 40 ألفا (مثلا)


3.    مهارة FAST حيث يرمز كل حرف اختصارا لهدف معين في المهارة ويمكن أن نسميها مهارة تعلم قول "لا": الهدف منها الحفاظ على حدودك وقيمة احترامك ورعايتك لذاتك، تعلم أن تقول "لا" عندما تشعر أن هناك انتهاكا لحدودك وحقوقك يشعرك بالغضب وضع بالحسبان: أن تكون عادلا لا قاهرا ولا مقهورا وكن حقيقي أي لا تدّعي الألم وأنت لا تتألم وتمسك بقيمك وخصوصا قيمة احترامك ورعايتك لذاتك. استخدم هذه المهارة عندما تشعر بالألم حقا والغضب لتعدي شخص ما على حدودك وتعلم كيف تستخدمها وتحمي حدودك وترسمها بشكل واضح للآخرين. فكلما كانت حدودك بأمان ستسمر علاقتك وليس العكس.


 


بنهاية المقال أود أن أشير الى أننا في كل علاقة إنسانية نحصل على قدر من المتعة وقدر من المشكلات، وقد يزيد قدر المشكلات أو يقل، هذه هي طبيعة العلاقات فلا توجد علاقات متكاملة من جميع الجوانب فالكمال غير موجود على هذه الأرض لأي أمر كان وهو من أخطاء التفكير..


كل ما عليك فعله هو معرفة ما الذي تريده بالضبط من هذه العلاقة؟ ما القيمة التي تحققها من خلال هذه العلاقة؟ وأن تحافظ على حدودك، وأن تنظر في الإيجابيات والسلبيات وتنظر بنفسك ماذا تكسب وعن ماذا تتنازل وتقرر في أي العلاقات ستستمر وأيها ستنهي، هذا لا يعني أنك لن تسعى لبناء علاقات جديدة أخرى، فلكل وقت علاقاته وحيثياته المهمة من أجل سلامتنا وصحتنا النفسية والاجتماعية.


 


قائمة المراجع والمصادر:


1.    جريدة عمان (الإنسان كائن اجتماعي بطبعه)، الأربعاء 15 ديسمبر 22.07.2021 


2.    د. حبيب، صموئيل (كيف تكون علاقات ناجحة؟). الطبعة الأولى، دار الثقافة، القاهرة، ص.ب 1298.


3.    د.وصفي، أوسم (صحة العلاقات). الطبعة الثالثة، مكتبة زاد، القاهرة، 2009. Coptic.book.blogspot.com


4.    E. Jean, (Dialectical Behavior Therapy Skills Training with Adolescents). 2015, PESI Publishing and Media, the United States of America

التعليقات (0)

مشاركة

update.share_this_post_with_others