العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الهلع
المعالجة النفسية : سحر الشامي
يتشكل النموذج العلاجي المعرفي – السلوكي من ثلاث محاور أساسية:
- تقنيات التحكم (للتعامل مع ردود الفعل الفيزيولوجية).
- تقنيات التعرض للمواقف المقلقة (العمل على مستوى السلوك).
- تقنيات إعادة البناء المعرفي (العمل على مستوى المعارف).
المحور الأول: تقنيات إدارة نوبة الهلع:
1. التعليم/ التثقيف النفسي: (بلحسيني، 2014، ص101،102)
اقترح جون كوترو خلال المرحلة المعلوماتية هذه الرسائل التي يجب توصيلها خلال عملية التثقيف النفسي:
- القلق جزء من الحياة.
- القلق ليس عدو، يجب فقط معرفة كيفية التحكم فيه.
- نوبات الهلع هي ظاهرة متكررة، حتى لدى أشخاص لا يعانون مشكلات نفسية مهمة.
- الأعراض الفيزيولوجية التي يشعر بها الفرد أثناء نوبة القلق مرتبطة بالتسارع القلبي والتنفسي وليست نوبة قلبية أو دماغية.
- التسارع القلبي والتنفسي والتغيرات الأيضية تُفسّر الأعراض النفسية للقلق والتي لا ترجع مطلقاً للجنون.
- الأعراض التي نسميها تشنج سريع يمكن أن يُعاد إنتاجها عند أغلب الناس بتسارع التنفس الإرادي والممتد لدقيقتين أو ثلاث دقائق.
يندهش المرضى في الغالب من معرفة أن عدداً كبيراً من الناس يعانون من نفس المشكلة، وأن نوبات الهلع ليست مختلفة من الناحية الكيفية عن الخوف المفرط عند مجابهة خطر حقيقي، وأن هذه النوبات بالفعل جزء من نظام استجابة تكيفي ارتقائي، وهو يطلق عليه الشجار- الفرار Fight or Flight، والذي يعمل من أجل حماية الفرد (هوفمان، 2012، 94).
2. إعادة التدريب على التنفس: (بلحسيني، 2014، ص102-105)
يتم تدريب العميل على التحكم في التنفس في خمس خطوات تم اقتباسها من شريط "نيك ماسي" Breath of Life:
- قم بالزفير أولا: عند ظهور أولى إشارات العصبية أو الهلع، وظهور أول بادرة قلق بشأن عرض فسيولوجي قد يصيبك، قم بإفراغ رئتيك من الهواء بالكامل. لذا من المهم أن تقوم بالزفير أولا حتى تشعر بأن هناك مساحة كبيرة لأخذ نفسٍ عميق وكامل.
- قم بالشهيق والزفير من خلال أنفك: إن الشهيق من خلال أنفك سيؤدي آليا إلى إبطاء تنفسك ويمنع فرط التهوية.
- تنفس بعمق إلى داخل بطنك: قم بوضع إحدى يديك على معدتك، والأخرى على صدرك، تنفس بحيث تتحرك اليد التي تضعها على معدتك، بينما تظل الأخرى التي على صدرك شبه ساكنة، وبتوجيه التننفس بعمق إلى داخل بطنك، تقوم بتمديد حجابك الحاجز وإرخاء عضلاتك المشدودة التي تسبب لك شعورك بعدم القدرة على التنفس.
- قم بالعد أثناء التنفس: قم بالزفير أولا، ثم خذ نفسا للداخل من خلال أنفك، وعد، "واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة"، حيث أن عملية العد تحميك من التنفس السريع المصاحب للهلع. تأكد من أن زفيرك أطول دوما بمقدار نبضة من شهيقك، فسوف يضمن لك هذا إفراغ رئتيك بين كل نفس تأخذه.
- أبطئ تنفسك بمقدار نبضة: خذ نفسا للداخل وعد، "واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة"، ثم توقف وازفر النفس الذي أخذته وعد "واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة؟؟ خمسة". كما هو الحال دائماً اجعل زفيرك أطول بمقدار نبضة من شهيقك دائماً.
3. الاسترخاء: (بلحسيني، 2014، ص106)
من أكثر تقنيات الاسترخاء أهمية تقنية الاسترخاء المتصاعد لجاكوبسون، ويتضمن التدريب على الاسترخاء ممارسة العميل للتوتر على مستوى العضلة ثم إرخائها واحدة بعد الأخرى حسب كل مجموعة، إلى أن يصبح العميل قادرا على الاسترخاء والإحساس بالراحة.
المحور الثاني: التعرض للمواقف المثيرة للقلق:
العلاج بالتعرض: (Exposure Therapy) (بلحسيني، 2014 ص 107-108)
إن المبدأ الذي تستند عليه طريقة التعرض هو افتراض أن القلق يتدنى بدخول العميل وبقائه في موقف القلق حتى تزول رغبته في تجنب هذا الموقف. وفي هذه الطريقة يقوم المريض بتعريض نفسه للمثيرات أو المواقف التي كان يخاف منها أو يتجنبها، ويمكن أن يكون "التعرض" بالمواجهة الفعلية في الحياة الواقعية (التعرض الحي)، أو بالمواجهة التخيلية (التعرض التخيلي)، وفي الحالة الأخيرة يطلب من المريض أن يتخيل نفسه أمام المثير الذي يخافه (كالعناكب مثلا) أو موقف مثير للقل (كالتحدث أمام الجمهور).
وإجمالا يمكن أن تعرف هذه الطريقة بأنها التعرض المتكرر والممتد -سواء واقعيا أو باستخدام التخيل- وذلك لمنبهات ليست مؤذية من الناحية الموضوعية، ولكنها مخيفة للمريض، وذلك بهدف تقليل قلقه. إذ يسهّل التعرض إحداث التغيُّر المعرفي المطلوب للمعتقدات المشوهة للمريض.
القواعد المهمة بالنسبة للتعرض:
- يجب أن يكون متدرجاً، متكرراً وممتداً.
- التعرف على كل ما هو متجنب.
- ترتيب مستوى الصعوبات من خلال الموضوع المشترك بين كل الوضعيات المتجنبة.
- يتم مواصلة العمل إلى غاية التدني التام للقلق.
- يجب أن يكون فاصل الوقت بين الجلسات قصير.
- الطلب من العميل أن يعرّض نفسه على الأٌقل مرة في اليوم.
- التدعيم الإيجابي مهم جدا، ويجب تقدير مجهود ونجاح العميل في كل مرة.
المحور الثالث: التقنيات المعرفية: (بلحسيني، 2014، ص 112-114)
تتضمن هذه الاستراتيجية تعليم الناس كيف يصبحون أكثر وعياً إزاء أفكارهم المضطربة، وكيف يدققون في الإثباتات المرتبطة بتلك الأفكار. وتهدف إعادة بناء المعرفة إلى تحويل أنماط التفكير المضطربة الى أفكار أكثر توازنا ومنطقية تستند إلى تدقيق شامل في كل الاثباتات (بدلا من التركيز فقط على الأدلة التي تدعم الأفكار المضطربة).
1. تحديد المعتقدات المضمرة:
الأفكار الآلية تمثل تيار الأفكار، والصور الذهنية، اللتين تصحبان الفرد بشكل ثابت وهو يتقدم عبر حياته اليومية العادية. أما الأفكار الآلية السلبية فهي تلك الأفكار والصور التي تستثير الانفعالات السلبية وغير الملائمة، مثل القلق والاكتئاب، وتكون هذه الأفكار بشكل عام في البداية مقبولة من العميل على أنها أفكار واقعية وصادقة، ولكن لا توجد أدلة موضوعية تؤيدها (بيرني كوروين، بيتر رودل، ستيفن بالمر، 2008، 123).
وهناك عدة طرقٍ لمساعدة العميل لتحديد معتقداته السلبية نذكر منها:
- سجل الأفكار.
- أسلوب السهم النازل.
- اقتراح مخطط يربط بين مختلف الأفكار الآنية.
- تكملة الجمل.
- تقديم الجمل الأولى من الفروض.
2. تعديل المعتقدات الخاطئة: (بلحسيني، 2014، 115-117)
إن جوهر العلاج المعرفي السلوكي مبدأ مؤداه أن الأفكار هي التي توجه السلوك وتستثير الانفعالات، حيث أننا نقوم بتحليل مستمر للمعلومات الواردة إلينا من الداخل أو الخارج، والأفكار تمثل نتيجة معالجة تلك المعلومات، وتُعنى العمليات المعرفية بتصنيف وتقييم وتنظيم المعلومات ذات المعنى والمهمة، فهي من يقوم بفك شيفرة الواقع، وكذلك المشاعر الداخلية للفرد ولكن عملية المعالجة هذه قد تتضمن أخطاء وتشويهات (Christophe Andre,2005,17).
ويستخدم في ذلك عدة طرق نذكر منها:
- الحوار السقراطي (الاكتشاف الموجه):
يوجد شكل خاص من منهجية الاكتشاف الموجه يسمى تقنية الأسئلة الثلاثة، وهي:
Ø ما هي الدلائل على معتقدك؟
Ø كيف يمكن أن تفسر الوضعية أيضا؟
Ø إذا كان ذلك صحيحا، ماذا يعني لك؟
هكذايعمل الاكتشاف الموجه (الأسئلة السقراطية) على توجيه انتباه العميل الى جوانب من تفكيره كانت غائبة عنه، والتقويم الموضوعي لاعتقاداته وأفكاره بدلا من التلقائية والاعتباطية في التفكير، والتي تمنع ظهور بدائل أخرى الى حيز الإدراك.
- العلاج بالدور المحدد:
من خلال تشجيع العميل بأن يتصرف بطريقة مخالفة لمعتقداته غير المساعدة، مما يؤدي الى تغيير في المعتقدات، ومن ثم الى مزيد من التغير في السلوك.
فبجرد تحديد أحد المعتقدات البديلة الذي يوافق عليه العميل، سيؤدي (من خلال الحوار السقراطي) إلى تحديد عدة طرق يمكن أن يسلك أو يتصرف بها لو كان المعتقد الجديد حقيقي في الواقع وصادق، وبمجرد تحديد عدد من الأفعال والتصرفات التي تتناسب مع المعتقد الجديد، يُطلب من العميل أن يفكر في إدخالها ضمن التمرين، ويقوم العميل بتبني الدور المتسق مع المعتقد المساعد الجديد كمهام بين الجلسات (بيرني كوروين، بيتر رودل، ستيفن بالمر، 2008، 142).
- أداء الدور:
يسميه بيك (1995) "أداء الدور العقلاني الانفعالي"، ويقوم العميل في البداية بتمثيل دور تبنيه للمعتقدات السلبية وتقبله لها (وفي المقابل يقوم المعالج بأداء دور تبنيه للمعتقد الإيجابي لنقطة مقابلة لها)، ثم بعد ذلك يقوم العميل بأداء الدور الذي قام به المعالج بنمذجته، ويتم استخدام أسلوب "الكرسي الفارغ" من قبل العميل للتعامل مع بقية أفكاره مستقلا عن المعالج، وهنا يقوم المعالج بأداء الدورين المتقابلين معا بتحركه من وإلى الكرسي الفارغ.
قائمة المصادر والمراجع:
1. بالمر س، كوروين ب، رودل ب (2008): العلاج المعرفي-السلوكي المختصر، ترجمة محمود مصطفى، دار إيتراك، القاهرة.
2. وردة بلحسيني (2014): اضطراب الهلع وثورة العلاج المعرفي السلوكي، درا الشروق للنشر، عمان.
3. André C (2005): les thérapies cognitives, Bernet-Danilo, Meschers