أولاً: حديث أحد المرضى عن رهاب الساح:
(حاسس انو بيتي تحول لسجن انا محبوس فيه بدون سجان، مع أنه الباب مفتوح والمفتاح بأيدي ما بحسن اطلع مثل باقي الناس، لما اضطر اطلع بأخذ حدا معي بخاف يصير عليي شي برا البيت أنى أغمى أو موت أو صير فرجة للناس الرايح والجاي يتطلعوا فيني منهم المتفاجئ ومنهم الي بيضحك عليي ومنهم الي بيشفق علي ومنهم الي يحاول يساعدني، وقتها انا بكون بين الحياة والموت ما عبقدر اتنفس وقلبي رح يوقف، دخيلكم خدوني على المشفى انا عبموت).
ثانياً: ما الذي تعرفه عن رهاب الساح؟
وهل سمعت بهذا النوع من المخاوف من قبل؟
هو الخوف أو القلق من التواجد في مواقف أو أماكن لا توجد فيها وسيلة للهروب بسهولة أو التي قد لا تتوفر فيها المساعدة إذا تطور القلق الشديد.
غالباً ما يتم تجنب هذه المواقف أو الأماكن أو تحملها بضيق شديد.
ثالثاً: أسباب رهاب الساح وعوامل الخطر:
1_ رهاب الساح باعتباره واحد من مضاعفات اضطراب الهلع: حيث يسيطر فيها الخوف الشديد على المريض، ومن هنا ينشأ ربط بين نوبات الهلع، والأماكن التي حدثت فيها، وبالتالي يتجنب المريض الذهاب لهذه الأماكن قدر الإمكان.
(يعاني حوالي 30 إلى 50٪ من المصابين برهاب الساح من اضطراب الهلع)
2_ العوامل البيولوجية:
أ_ الهروب اللاإرادي: يمكن تفسير هذه النظرية بأن القلق والخوف يتسبب في إفراز الجسم لمجموعة من الهرمونات أهمها الأدرينالين، وزيادة معدل التنفس، وضربات القلب، وبشكل تلقائي يضع الجسم نفسه في موقف مواجهة الخطر، ولذلك يتصرف المريض بشكل خارج عن إرادته، ويغادر المكان الذي يتواجد به، لوقف هذه الحالة السيئة التي يمر بها.
ب_ خلل في الناقلات العصبية: مما يؤثر على المزاج والسلوك، وبالتالي تحدث استجابة عالية للتوتر المتصاعد، مما يصيب المريض بحالة شديدة من الذعر.
ج_ شبكة الخوف: أدمغة الناس الذين يعانون من «رهاب الساح» تكون مختلفة عن الآخرين، وينتج عن ذلك وجود خلل في أجزاء المخ المسؤولة عن توليد عاطفة الخوف، فتولد هذه الأجزاء مشاعر خوف قوية تؤدي إلى حدوث نوبة الهلع.
د_ الوعي المكاني:
توصل علماء النفس إلى وجود صلة بين «رهاب الساح» و «الادراك المكاني»، ويقصد به قدرة الشخص على الحكم على مكان وجوده، ووعيه بالأشياء، والأشخاص الموجودين في محيطه، وفي حالة حدوث خلل في هذا الوعي، يشعر الشخص بالإرهاق أثناء تواجده في الأماكن المزدحمة، ويضل الطريق، مما يثير ذعره.
3_عوامل نفسية:
1- المرور بتجربة قاسية في الطفولة، مثل وفاة أحد الوالدين أو التعرض للاعتداء الجنسي.
2- المعاناة من ضغوط نفسية مفاجئة مثل الطلاق، أو فقدان الوظيفة.
3- وجود تاريخ سابق للإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب.
رابعاً: معايير تشخيص رهاب الساح حسب الدليل التشخيصي والاحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (dsm5)
أ)_ أن يكون هناك خوف ملحوظ أو قلق حول اثنين ( أو أكثر ) من المواقف الخمس التالية :
1. استخدام وسائل النقل العامة ( مثل السيارات والحافلات والقطارات والسفن والطائرات )
2. التواجد في مساحات مفتوحة ( مثل مواقف السيارات والأسواق والجسور )
3. التواجد في أماكن مغلقة ( مثل المحلات التجارية والمسارح ودور السينما )
4. الوقوف في طابور أو التواجد في حشد من الناس
5. التواجد خارج المنزل لوحده .
ب)_ أن يخاف الشخص من هذه المواقف أو يتجنبها بسبب أفكار بأن الهرب ربما يكون صعبا أو أن المساعدة قد لا تكون متاحة في حالة ظهور أعراض تشبه أعراض الهلع أو غيرها من أعراض العجز أو تلك المحرجة ( مثل الخوف من السقوط على الأرض بسبب كبر السن ، والخوف من سلس البول ) .
ج)_ أن تثير مواقف الساح الرهابية دائماً تقريباً خوفاً أو قلقاً .
د)_ أن يتم تجنب مواقف الساح الرهابية بشكل سلوكي وتتطلب وجود رفقة ، أو أن يتم تحمله مع قلق أو خوف بالغين .
هـ)_ أن يكون الخوف أو القلق لا يتناسب مع الخطر الواقعي الذي تمثله مواقف الساح الرهابية وللسياق الثقافي والاجتماعي .
و)_ أن يكون الخوف أو القلق أو التجنب مستمراً ويدوم بشكل نموذجي لستة أشهر أو أكثر .
ز)_ أن يسبب الخوف أو القلق أو التجنب معاناة نفسية واضحة إكلينيكياً أو تدهوراً في المجالات الاجتماعية والمهنية أو غيرها من المجالات الوظيفية الهامة الأخرى . ح)_ إذا وجدت حالة طبية أخرى ( مثل داء الأمعاء الالتهابي أو داء باركنسون ) فالخوف أو القلق أو التجنب سيكون مفرطا بشكل واضح .
ط)_ ألا يفسر الخوف أو القلق أو التجنب بشكل أفضل بأعراض اضطراب نفسي آخر ، فمثلاً لا تقتصر الأعراض على الرهاب النوعي بالنمط الظرفي ، ولا تنطوي فقط على المواقف الاجتماعية فقط ( كما في اضطراب القلق الاجتماعي ) ، ولا ترتبط حصراً بوساوس ( كما في اضطراب الوسواس القهري ) ، ولا بالعيوب أو التشوهات المتصورة في المظهر الجسدي ( كما في اضطراب تشوه شكل الجسم ) ، أو بما يذكر بالأحداث الصادمة ( كما في اضطراب كرب ما بعد الصدمة ) ، أو الخوف من الانفصال ( كما في اضطراب قلق الانفصال ).
خامساً: علاج رهاب الساح:
يمكن لمعظم المصابين بـ«رهاب الساح» أن يشفوا من مرضهم باتباع خطوات تدريجية للعلاج، تبدأ من تثقيف أنفسهم عن المرض، وفهم ما يصيبهم، وتغيير نمط الحياة المؤدي لتكرار نوبات الهلع لديهم، بالحرص على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتناول الطعام الصحي، وتجنب الكحول، والمخدرات، والمشروبات التي تحتوي على الكافيين، مثل الشاي، والقهوة.
ومن الأمور الهامة المساعدة في رحلة الشفاء تطبيق تقنيات المساعدة الذاتية، مثل التنفس بعمقٍ وهدوء لتخفيف التوتر، والتركيز على أشياء ملفتة في البيئة المحيطة، لإلهاء النفس لحظة مواجهة الرهاب، وأيضاً سيكون مفيداً إذا ما لجأ الشخص إلى التفكير بواقعية عند حصول النوبات، وذلك باسترجاع المواقف المماثلة التي كانت توقعاته فيها سوداوية، ومرت دون حدوث ما كان يتوقع، وتوجيه الأسئلة لنفسه عما يمكن أن يحدث في حالة وقوع أحد الاحتمالات السيئة التي يتخوف من حدوثها، وبالتمرين المستمر سيجد نفسه أقل خوفاً، وستظهر النتائج الإيجابية تدريجياً.
وفي حالة عدم نجاح تقنيات المساعدة الذاتية في العلاج، يتحول المريض إلى جلسات العلاج النفسي، وتبدأ بالعلاج المعرفي السلوكي، والذي يهدف إلى كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها المريض، وإيجاد طرق جديدة للتفكير يمكن أن تساعده على التصرف بشكلٍ أكثر إيجابية، وتجعله أكثر استعداداً لمواجهة المواقف التي كان يرهبها، وفي العادة يسير العلاج المعرفي السلوكي بالتوازي مع العلاج بالتعرض، عن طريق وضع مهام يقوم بها المريض بصورة تدريجية، وتتناسب مع تطور حالته، ويكون الغرض منها تغلبه في النهاية على التحديات التي تواجهه.
وتوجد بعض الحالات الشديدة لـ«رهاب الساح»، يكون العلاج الدوائي الوسيلة الأكثر تأثيراً لعلاجها، وبالطبع لا تعمل هذه الأدوية بشكل فوري، وإنما تستغرق من أسبوعين إلى أربعة أسابيع حتى يبدأ تأثيرها بالظهور.
قائمة المراجع:
1_الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات النفسية الخامس dsm5 هشام عبد الله العطاس 2022.
2_رهاب الساح الأعراض والأسباب mayo clinic 2023.
3_ رهاب الساح عندما يصبح الخروج من المنزل أمرا مرعبا! ساسة بوست عبد الرحمن ابو الفتوح 2016.