المرونة النفسية

 


المرونة النفسية


إعداد المعالجة النفسية سحر الشامي


 


 


تعريف المرونة النفسية:


 هي امتلاك القدرة على التعامل مع المشكلات والتحديات والتوتر والضغوط النفسية، وكذلك النهوض مجددا بعد التعرض للعقبات والنكسات والمصائب، والتعافي بعد الصدمة، هي أن تسبح دون أن تغرق، وتنحني وتميل دون أن تنكسر!


هي ليست فقط القدرة على تحمل الألم النفسي، وانما أيضا القدرة على عدم الانشغال به!


هي مهارة يمكننا تعلمها واكتسابها، ولكونها مهارة فهي تخضع لشروط إتقان أي مهارة أخرى، تتحسن حين نهتم بها وتضعف حين نهملها.


إنها مجموعة متنوعة من عادات تفكير وعادات سلوكية.


 


 


خطوات لتحسين المرونة النفسية:


1.    القدرة على إدارة الضغوط: من المهم هنا أن نتعرف على أنواع الضغوط، ويمكننا هنا التمييز بين ثلاثة أنواع رئيسة من الضغوط :


 النوع الأول الضغوط الخارجية مثل الزواج، العمل، الوفاة، الفقد، السفر، ضغوط مالية...


 النوع الثاني هو الضغوط الداخلية ويكون مصدرها من داخلنا، من تفكيرنا في أمور حدثت وانتهت او أمور نقلق من وقوعها….


أما النوع الثالث من الضغوط فهو ضغوط التميز والنجاح، وهي ضغوط تدفعنا للخروج من منطقة الراحة إلى منطقة العمل والجد، قد نحتاج معها للتضحية مؤقتا بأمور اجتماعية ومالية وغيرها.. سنحتاج معها أن نبذل وقتاً وجهداً، وقد نضطر للتخلي عن أشياء نحبها من أجل تحقيق اهدافنا واحلامنا.


ومما يؤلم حقا أن الشخص قد يعيش الأزمة ثلاث مرات: مرة قبل حدوثها (قلق)، ومرة أثناء حدوثها (ضغط نفسي طبيعي)، ومرة بعد انتهائها (حزن وضيق دائم وربما اكتئاب)، الثانية طبيعية بينما الأولى والثالثة مضيعة للوقت ومهلكة للتفكير ومنهكة للروح…


 


2.    القدرة على إدارة المشاعر: المشاعر هي نتيجة أفكار، وطرق تفكير، وقناعات، وسلوكيات، وعوامل بيولوجية، فإن تحسينها يكون من خلال التعامل المباشر والغير المباشر مع تلك العوامل.


فالفكرة مثلاً تصنع مشاعر، فتحفز على الفعل أو التجنب، في ذات الوقت يتفاعل الجسد، كما أن السلوك والجسد يصنعان مشاعر أيضاً، ولهذا لتحسين المرونة النفسية ينبغي التعامل مع الفكرة، أو الفعل، أو الجسد، أو معهم جميعاً. إليك بعض الخطوات:


-        خفف قلقك السلبي، قليل من القلق سيكون مهم لتنجز بشكل أفضل، ولكن المبالغة في ذلك يحول القلق لمصدر للمعاناة والتعاسة والأمراض. كثير من المشكلات التي يفكر بها البعض وتأخذ منهم جهدا نفسياً، وتضيع أوقاتهم تكون في معظم الأحيان في عقولهم فقط، وليست أحداث واقعة في حياتهم. كما اشارت إحدى الدراسات ان 90% مما تقلق بشأنه لا يحدث! اسأل نفسك " هل ما يقلقني شي واقع في حياتي؟ أم مجرد خيال وأفكار؟" اذا كان مجرد خيال أو أفكار -وهو الغالب- فحاول القيام مباشرة بتحويل تفكيرك وتركيزك إلى شيء آخر مهم أو إلى فعل شيء محدد، فالعقل لا يمكن أن يفكر في شيئين في نفس اللحظة.


-        قد يكون شعورك بالقلق والخوف السلبي أشبه بعادة عقلية تمارسها بدون إدراك كامل، ومع ذلك يمكنك اكتساب عادة عقلية مضادة مثل الهدوء والسلام الداخلي؛ حدد وقتاً يومياً ترفع فيه درجة انتباهك لما هو باعث على الهدوء والطمأنينة من حولك، مارس التيقظ الذهني mindfulness باستخدام حواسك كأن تركز على ما ترى أمامك، وما تسمع من أصوات


-        تزيد مرونتك النفسية كلما صرت أكثر فهما ووعياً بأفكارك وطريقة تفكيرك وقناعاتك ومشاعرك وسلوكياتك؛ في ذهنك أفكار سلبية وأفكار إيجابية و هذا طبيعي، اعتبرها نباتات، لذا لتكن عادتك هي ان تسقي الإيجابية بالتركيز عليها و جعلها حاضرة دائما في وعيك، وحاول أن تخفف إيصال الماء للأفكار السلبية!


-        لكي تكون سعيداً قد لا تحتاج ان تضيف شي لحياتك، بل أن تحذف أشياء. أنت من تقرر على ماذا ستركز، لذا أنت المسؤول عن سعادتك.


 


3.    القبول: الألم في هذه الحياة طبيعي وموجود شئنا أم أبينا، ولكن المعاناة اختيار. عندما ترفض الاعتراف بالألم، أو تتجنب مواجهته، أو تكون دائم الشكوى واللوم للآخرين على أنهم سبب معاناتك؛ أنت بذلك تفعل تماما عكس ما نقصده هنا بالقبول..


القبول لا يعني الاستسلام! ولكنه تقبل الهزيمة الانكسار أو الفقد وغيرها من الأمور التي لا أستطيع التحكم بها، وقبول الألم الناجم عنها، والمحاولة أو النهوض مجددا، والاستفادة من خبرات الحياة التي أمرّ بها، والتعلم والاستمرار في تحقيق قيمي في هذه الحياة وأهدافي التي أصبو إليها..


القبول لن يزيل الألم مطلقا! ولكنه بالتأكيد سيقل وسيتحول إلى ألم نستطيع تحمله، فنحن من نزيد الألم ونحوله إلى معاناة باعتراضنا ورفضنا و عدم قبولنا لما حدث، فالله تعالى لم يكلفنا ما لا طاقة لنا به (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).


القبول يعني أن أقبل أن الحياة فيها صعوبات وتحديات، وليس مطلوب مني إنهاء هذه الصعوبات، بل المطلوب مني هو تعلم كيفية التعامل معها، عليّ ان أقبل أن الحياة ليست عادلة، وأن الألم هو جوهر الحياة ولا سبيل لمنع الألم.


 


4.    تجنب رؤية الأزمات على أنها مشكلات لا سبيل للخلاص منها: كما ذكرنا سابقا أن الأحداث الضاغطة والألم هي جزء من حياة أي إنسان، لكن بإمكانك تغير الطرق التي تدرك وتفسر وتستجيب بها لهذه الأحداث، حاول أن تتجاوز الظرف الحاضر وتطلع إلى مستقبل أفضل -بيقين- وحاول أن تلمس كل ما يمكن أن يقلل أو يخفف من مشاعر الكدر والحزن الناتجة عن المصاعب التي تواجهها.


 


5.    اندفع بالتحرك باتجاه أهدافك: ضع أهداف واقعية قابلة لتحقيق بناء على قراءة دقيقة لإمكانياتك، وقدراتك، والواقع المحيط بك، وانتظم في أداء شيء -حتى وإن كان إنجاز صغير- يقربك بالتدريج من تحقيق أهدافك، وبدل من التركيز على مهام يتعذر تحقيقها، اسأل نفسك: "ما الشيء الذي أعرف أن بإمكاني تحقيقه أو إنجازه اليوم ويقربني من التحرك في الاتجاه الذي أريده؟".


 


 


6.    إقامة ورابط مكثفة مع الأخرين: فالعلاقات الاجتماعية الإيجابية من أهم متطلبات بناء المرونة النفسية. تقبُّل المساعدة والدعم من الأشخاص الذين نحبهم ونستمع إليهم يقوي المرونة النفسية لدينا، ويرى بعض الناس أن المشاركة الفعالة في مؤسسات المجتمع المدني، المؤسسات الدينية، أو غيرها من الجماعات الخيرية أو التطوعية مصدر من مصادر المساندة الاجتماعية يمكن أن تبث الأمل في نفوس من يتعرضون للشدائد والعثرات..


 


7.    اعتنِ بنفسك: اهتم وقدّر مشاعرك واحتياجاتك، واندمج في الأنشطة والخبرات التي تستمتع بها وتزيد من راحتك او استرخائك. مارس بانتظام ألعاب رياضية ممتعة لك، اعتنِ بطعامك ونومك، تواصل مع من حولك، واعلم أن اهتمامك بنفسك يساعدك على التماسك والاستعداد لأي حدث ضاغط طارئ..


 


اطلب المساعدة من مختص في حال شعرت بحاجتك للدعم النفسي، فالقدرة على طلب المساعدة عندما نحتاجها تدل أيضا على مرونتك النفسية.


 


دمتم بخير


 


المراجع والمصادر:


1-   د. بندر آل جلالة (المرونة النفسية، أفكار للتعامل مع التوتر والضغوط وتحقيق النجاح و العيش بسعادة):2020 , دار تشكيل للنشر و التوزيع، ميونخ ألمانيا.


2-   د. رسمية فهمي (مهارات نفسية للتعامل مع صعوبات الحياة): 2023 , دار النشر للثقافة والعلوم، القاهرة.


3-   ترجمة محمد سعيد أبو حلاوة، مراجعة دكتور محمود فتحي عكاشة (الطريق إلى المرونة النفسية).

التعليقات (0)

مشاركة

update.share_this_post_with_others