التنمر
المعالجة النفسية: ولاء حمزة
مقدمة:
يعد التنمر ظاهرة قديمة موجودة في جميع المجتمعات منذ زمن بعيد لدى أفراد الجنس البشري حيث يمارسونه بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة وتظهر عندما تتوافر الظروف المناسبة وعلى الرغم من أن السلوك التنمري موجوداً في المجتمعات البشرية منذ القدم إلا أن البحث في الموضوع حديثاً نسبياً ويُعد السلوك تنمراً عندما يشمل هجوماً نفسياً ولفظياً وبدنياً على الضحية ويبدأ هذا السلوك في عمر مبكر من الطفولة في حوالي السنتين تقريباً حيث يبدأ في تشكيل مفهوم أولي للتنمر وينمو تدريجياً ويستمر حتى يصل إلى الذروة في الصفوف الثلاثة الأخيرة من المرحلة الابتدائية ويستمر خلال المرحلة الإعدادية ثم يبدأ في الهبوط تدريجياً مع نهاية المرحلة الثانوية وقلما يوجد سلوك تنمري في المرحلة الجامعية باستثناء حالات السخرية.
ويعد السلوك التنمري سلوكاً مكتسباً من البيئة التي يعيش فيها الفرد وهو سلوك يأتي بنتائج وخيمة على جميع الأطراف المشاركين فيه حيث يمارس طرف قوي (المتنمر) الأذى النفسي والجسمي واللفظي والاجتماعي تجاه فرد أضعف منه في القدرات الجسمية (الضحية أو المتنمر عليه).
التنمر:
يعرف (ليمبر) التنمر عبارة عن عدوان متكرر سواء بصورة لفظية أو نفسية أو جسدية يصدر من فرد أو مجموعة من الأفراد ضد الآخرين وأن سلوك المتنمر نشاط إرادي واعٍ ومتعمد يقصد به الإيذاء أو التسبب بالخوف أو الرعب من خلال التهديد بالاعتداء.
ولكي يكون السلوك تنمرياً لابد من توافر أربعة عناصر في سلوك المتنمر بغض النظر عن الجنس والعمر:
وهنا يتضح:
· أن سلوك التنمر سلوكاً إرادياً واعٍ ومتعمد.
· أن سلوك التنمر شكل من أشكال السلوك العدواني السلبي الشائع بين الأطفال والمراهقين يفتقد التوازن في القوى بين المتنمر عليه أو الضحية.
· أن المتنمر قد يكون لفظياً أو جسمياً أو نفسياً أو اجتماعياً.
· أن المتنمر عليه أو الضحية لا يقوم باستفزاز أو حثه على العدوان عليه.
· أن المتنمر عليه أو الضحية لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو يبادل المتنمر القوة بالقوة.
· أن المتنمر يشعر بالمتعة والسيطرة على الآخرين.
· أن سلوك التنمر يتصف بالديمومة والاستمرارية.
أشكال التنمر:
يمكن تقسيم التنمر إلى أربعة أقسام رئيسية:
1- التنمر النفسي: يطلق عليه الباحثون التنمر الانفعالي ويسعى فيه المتنمر إلى التقليل من شأن الضحية من خلال التجاهل والعزلة والسخرية والازدراء من الضحية وإبعاد الضحية عن الأقران والتحديق في وجه الضحية تحديقاً عدوانياً والضحك بصوت منخفض واستخدام الإشارات الجسدية العدوانية ويعد هذا النوع من أكثر أنواع التنمر تأثيراً ويحدث آثار خطيرة على الصحة النفسية للضحية.
2- التنمر الجسدي: يتضمن أي اتصال بدني به إيذاء الفرد جسدياً ويأخذ أشكال مختلفة منها الدفع واللطم والضرب والركل والبصق والهجوم على الضحية وتحطيم ممتلكاته الخاصة، وغالبا لا يسبب التنمر الجسدي أذى كبير للضحية وهذا النوع من التنمر أكثر شيوعاً بين الإناث اللاتي يستخدمن وسائل كثيرة غير مباشرة وغير واضحة مثل إثارة الفتن والشائعات والاستبعاد المتعمد لشخص ما من المجموعة.
3- التنمر الاجتماعي: يتضمن التنمر الاجتماعي عزل الضحية عن مجموعة من الرفاق ومراقبة تصرفاته ومضايقته ورفض صداقته أو مشاركته في ممارسة الأنشطة المختلفة والتجاهل المتعمد.
4- التنمر اللفظي: يعد التنمر اللفظي تهديد من المتنمر للضحية أمام مجموعة من الأقران بقصد الأذى والسخرية والتقليل من شأنها ونقدها نقداً قاسياً والتشهير بها كما يتضمن التنمر اللفظي أيضاً استخدام الكلمات لإذلال الضحية أو إيذاء مشاعرها من خلال المضايقة أو التنابز بالألقاب أو السب أو التهديد.
معدلات الانتشار:
يعد التنمر سلوك شائع لدى الأطفال والمراهقين فحوالي 30% من الأطفال والمراهقين في الفصول الدراسية من السادس الابتدائي إلى الأول الثانوي يتنمر أقرانهم عليهم ويصل التنمر ذروته خلال المراهقة المبكرة ويتناقص تدريجياً كلما تقدمت فترة المراهقة.
قام (وانج وآخرون في 2009) بإجراء مسح لتقدير عدد المرات التي يشترك فيها التلاميذ من الصف السادس حتى الصف العاشر (الأول الثانوي) في سلوكيات التنمر وعندما تم سؤالهم حول ما إذا كانوا ضحية للتنمر مرة واحدة على الأقل في الشهرين الماضيين.
أوضح 12.8 % من المشتركين أنهم كانوا ضحايا للتنمر الجسدي.
36.5 % للتنمر اللفظي، 41% للتنمر الاجتماعي، وعلاوة على ذلك بينت الدراسات أن هناك عوامل معينة يمكن أن تساهم في عدد المرات التي يعاني خلالها التلاميذ من التنمر وهذه العوامل تتعلق بالنوع أو العمر فعلى سبيل المثال وجد أن البنات كن أكثر احتمالاً لأن يصبحن ضحية للتنمر الاجتماعي بينما الأولاد كانوا أكثر احتمالاً لأن يعانوا من التنمر الجسدي والتنمر اللفظي.
يذكر (مسعد أبو الديار في 2012) أن الإحصائيات الدولية تشير إلى أن معدل انتشار التنمر في المدارس يتراوح من 10-15 % وأن معدل ضحايا التنمر يختلف من بلد إلى آخر.
العوامل التي تسهم في حدوث التنمر:
1- العوامل النفسية:
حيث تشير إلى الخصائص النفسية لدى المتنمر وتدفعه إلى سلوك التنمر فالمتنمر يسعى إلى تأكيد ذاته من خلال عدوانه على الآخرين ويميل على السيطرة واستخدام القوة ويظهر اتجاهات إيجابية نحو العنف ويقل تعاطفه مع الضحايا وهناك خصائص نفسية تتسم بها الضحية تدفع المتنمر للاعتداء عليه بشكل مستمر فالضحية يميل إلى الانسحاب والاستسلام والخضوع وتجنب الصراع والبكاء وهذه الخصائص تدعم سلوك المتنمر وتزيد من استمرار سلوك التنمر
2- العوامل الأسرية:
يتعزز سلوك التنمر لدى الطفل من خلال الأسرة عندما لا يقابل بسلوك آخر مضاد قائم على التهديد والعقاب غير البدني، كما أن الأطفال الذين يلاحظون آبائهم وإخوانهم يظهرون سلوك التنمر أو كانوا ضحايا للتنمر فإنهم سيسلكون على نحو مشابه لهم فضلاً عن ذلك فإن استخدام الأساليب السلبية والعقاب البدني للأبناء سوف يؤدي بهم إلى سلوك التنمر الذي يجعلهم يشعرون بالقوة والهيمنة والأهمية.
بوجه عام فإن أساليب المعاملة الوالدية والبيئة الأسرية لها بالغ الأثر في حدوث سلوك التنمر فالتلاميذ المتنمرين والضحايا يعانون من القسوة والعقاب والإهمال كما أن المتنمرون يفتقدون الدفء الوالدي والضحايا يعيشون في ظل حماية زائدة أو مفرطة.
3- العوامل المدرسية:
تشمل هذه العوامل ثقافة المدرسة والمحيط المادي والرفاق ودور المعلم وعلاقته بالتلاميذ وغياب اللجان المختصة فالعنف الذي يمارسه المعلم على التلاميذ مهما كان نوعه، سيؤثر على سلوك التلاميذ، والممارسات الاستفزازية الخاطئة بين المعلمين وضعف التحصيل الدراسي للتلاميذ والتأثير السلبي لجماعة الرفاق والخصائص النفسية غير السوية وضعف العلاقة بين المدرسة وأولياء الأمور والظروف والعوامل الأسرية والمعيشية للتلاميذ وضعف شخصية المعلم وعدم إلمامه بالمادة الدراسية كل هذه العوامل قد تساعد على ظهور سلوك التنمر لدى التلاميذ.
4- عوامل تتعلق بالطفل ضحية التنمر:
أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى أن تلاميذ ضحايا التنمر يخبرون مشكلات نفسية وجسمية تعوق تكيفهم الانفعالي والاجتماعي والأكاديمي وقد تستمر هذه المشكلات لمدى طويل فهم يعانون الألم النفسي والقلق الاجتماعي والكبت والوحدة ويشعرون بعدم الأمان في المدرسة ويحملون مشاعر الخوف.
أوضحت دراسة (جيورا وآخرون 2011) أن غياب الدعم الوالدي يمثل أحد العوامل المهمة في كون التلميذ ضحية التنمر وأن الدعم الوالدي يتحقق من خلال أساليب المعاملة الوالدية التي يتبعها الوالدان في تنشئة الأبناء كالدفء والرعاية والمساواة والقبول الوالدي كما أن هناك عوامل أخرى تتعلق بكون الطفل ضحية التنمر منها القصور في المهارات الاجتماعية وتدني تقدير الذات وأساليب المعاملة الوالدية غير السوية مثل الحماية الزائدة للأبناء وانتقال الطفل من مدرسته إلى مدرسة أخرى وقد يؤدي اختلاف شخصيته عن المجموعة التي ينضم إليها مثل طريقة كلامه ومستواه الدراسي المرتفع وملابسه إلى التنمر عليه.
5- عوامل تتعلق بالطفل المتنمر:
توجد مجموعة من الأساليب تجعل الطفل متنمراً منها:
§ تدني مفهوم الذات والقصور في مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
§ الشعور بالإحباط.
§ الإساءة والإهمال للطفل في المنزل مما يجعله ينفس عن غضبه في صورة تنمر لمن هم أقل منه قوة.
§ عدم تعلم الطفل بأنه لابد أن يكون قاسي وصارم حتى يحقق له مكانة متميزة بين زملائه.
§ عدم الثقة في الآخرين والرغبة في الانتقام وتحقيق العظمة لذاته.
§ عدم القدرة على التحكم في الغضب وتحميل الآخرين نتيجة أخطائه.
§ مشاهدة الآخرين وهم يتنمرون مع عدم وجود العقاب أو الردع المناسب.
§ مشاهدة البرامج التلفزيونية والألعاب الإلكترونية التي تعرض النماذج السيئة على أنها نماذج مسلية.
§ انعدام الضوابط السلوكية وعدم مراقبة سلوك الأطفال والإشراف عليهم.
§ مشاهدة الأطفال لأحداث الجريمة والقسوة والعنف يؤثر على سلوكه ويجعله يتقبل سلوك الشغب أو التنمر كجزء من حياته الطبيعية.
آثار التنمر:
للتنمر العديد من الآثار السلبية على الصحة النفسية للتلاميذ سواءً كان متنمراً أو ضحية للتنمر فعندما يقع الطفل ضحية للتنمر نجده يعاني من مشكلات عديدة منها الخوف والعزلة الاجتماعية، الغياب عن المدرسة وانخفاض التحصيل الدراسي، القلق، تدني تقدير الذات، الحزن، قصور المهارات الاجتماعية والشعور بعدم المساندة من قبل الآخرين.
وفي دراسة قام بها الباحث (ليفجروف وآخرون) أن التأثير الضار لارتكاب الأعمال المتعلقة بالتنمر تتمثل في سوء استخدام المواد، الخوف من المدرسة، ارتفاع مستوى الاكتئاب، كما وُجد أن كلا الضحايا والمتنمرين لديهم مصاعب في المدرسة ومشكلات تتعلق بالسلوك والأداء والنبذ من جانب الأقران، العزلة، وبسبب هذه النتائج فمن الضروري أن نجد طرق للتعامل مع التنمر.
ويبدو أن للتنمر طبيعة خفية إذ أن حالات التنمر التي تحدث في معظم المدارس يصعب اكتشافها بسبب السرية التي تحيط بها فمعظم ضحايا التنمر في المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 10 – 14 سنة لا يخبرون أحداً عما يحدث لهم إلى جانب خوفهم من حدوث إيذاءات مستقبلية من الأطفال المتنمرين واعتقادهم بأنهم سيكونون معزولين أكثر إذا أعلنوا عن تعرضهم للإيذاء إلى جانب اعتقادهم أن المعلمين لن يفعلوا شيئاً للمتنمرين كما أنهم لا يرغبون أن يشعر والديهم بالقلق عليهم.
إرشادات للتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا للتنمر:
مسؤولية الأهل حماية أطفالهم دائماً ومتابعة سلوكياتهم وتغيراتها ، فمن الممكن جداً أن يتعرض الطفل للتنمر دون إخبار الأهل لكن سوف يظهر هذا الألم على سلوكه وقلة تركيزه وانخفاض في الشهية واضطرابات في نومه أو تدني تحصيله الأكاديمي.
كل هذه العلامات الحمراء تأكد أن هناك شيء ما يحصل للطفل، لذلك من المهم تحسين العلاقة مع أطفالنا حتى يثقوا بنا ونكون لهم السند والداعم وقت الحاجة دون شعورهم بالخوف من أوهام العواقب وهنا يكون الحل الأول لمشكلة التنمر؟
1- تفهم الطفل وما يحصل معه والتأكيد عليه أن الذي يحصل معه من التنمر غير مقبول وتقبل مشاعر الانزعاج والغضب والحزن مما يتعرض له وتقديم المساندة والدعم وتجنب إلقاء اللوم عليه مثل القول له (أنت ليش ما بتعرف تدافع عن حالك) (شو الكلمة يلي بتخليك تتضايق طول النهار نحنا كتير تعرضنا لهيك شي وما صار لنا شي) كلمات اللوم هذه ستخلق فجوة كبيرة بينكم وبين أطفالكم.
2- لا تستخفوا بموضوع التنمر لأن هناك حالات انتحار أطفال بعد تعرضهم للتنمر بسبب شعورهم بالانكسار والضعف والوحدة.
3- تقبل الطفل كما هو، إذا كان طفلكم يحتاج إلى سماعة أو نظارة سميكة أو كرسي متحرك مثلاً تقبلوه كما هو، فشعور الطفل بعدم التقبل من الأهل سيؤدي إلى ضعف ثقته بنفسه ويتعرض للتنمر.
4- أخذ الموضوع بجدية والتكلم مع المسؤولين في المدرسة وأهل الطفل المتنمر وإذا كان من الضروري ممكن إخبار الشرطة.
5- تعليم الطفل الخطوات الثلاثة للتنمر (صد، ابتعاد، إخبار) أي صد المتنمر وقول لا.
(أنا لا أسمح لك) ثم الابتعاد مباشرة عنه وإخبار شخص بالغ بالذي حصل معه.
6- من الضروري جعل الطفل يشعر بالثقة بنفسه من خلال القوة الجسدية وننصح بنادي رياضي لألعاب (الكاراتيه) مثلاً حتى تتطور لديه مهارات الدفاع عن النفس وهنا لا نشجع على العنف أو الضرب ولكن مجرد شعور الطفل أنه قوي ويستطيع الدافع عن نفسه سيتعامل مع التنمر بطريقة أخرى تماماً.
7- توعية المعلمين والأهالي والطلبة بماهية سلوك التنمر وخطورته.
8- تشديد المراقبة واليقظة التربوية للرصد المبكر لحالات التنمر.
9- وضع برامج علاجية للمتنمرين بالشراكة مع المختصين في علم النفس
10- تنظيم أنشطة تهتم بتنمية الثقة بالنفس وتأكيد احترام الذات.
11- تشجيع الضحايا على التواصل مع المختصين في حالة تعرضهم لسلوكيات التنمر.
الخاتمة:
هذه الظاهرة منتشرة بكثرة وقلما ينجو منها أحد خلال حياته ولها نتائج نفسية خطيرة ولا معنى لإخفائها أو التستر على وجودها بل يجب التعاون في سبيل كشفها ومحاربتها وعلاج أسبابها حيث يقتضي التخلص من التنمر ترسيخ أسس بيئة آمنة داعمة ورعاية اجتماعية والعمل على ترسيخ مفهوم التفاهم والاحترام المتبادل في المدرسة وتقديم المساعدة اللازمة للطالب على الصعيد الفردي وأسري والنفسي.
قائمة المراجع و المصادر:
· ا1-السلوك التنمري للأطفال والمراهقين، دكتور مجدي محمد الدسوقي،2016.
· 2-التنمر المرسي: مفهومه، أسبابه، طرق علاجه، د سليمة سايحي، جامعة الجزائر.