إدارة الغضب عند الأطفال
المرشدة النفسية : صبا كحلاوي
مقدمة:
من المظاهر الانفعالية الشائعة عند الأطفال نوبات الغضب ,ولكن غالباً تكون هذه النوبات شيئاً طبيعياً عند جميع الأطفال بغض النظر عن الثقافة التي يعيشون فيها ولا تعتبر هذه النوبات ذات صبغة مرضية إلا حينا تكون عنيفة جداً ومتكررة بشكل زائد وتأخذ فترة طويلة نسبياً .
لا علاقة لنوبات الغضب عند الأطفال "بسوء السلوك ". إن نوبة الغضب الحقيقة هي عبارة عن انفجار عاطفي ينتج عن خيبة أمل عارمة للطفل وهي بهذه الحالة خارج نطاق تحكم الطفل بنفسه. والأطفال يختلفون من حيث سرعة الغضب الذي يتملكهم حين يفشلون في الاستجابة لهذا الحافز، ومدى عنف رد الفعل الناتج عن ذلك الفشل. فمن الأطفال من يستمر في صبر ودأب في محاولة حل المشكلة ما، ومنهم من يستسلم للفشل بسرعة ومن الأطفال من يعترف فيما بعد فشله وينتقل بلباقة للقيام بعمل أخر ومنهم من يتأثر كثيراً بالفشل الذي يدفعه لأن يعبر عن ذلك بصرخة أو نوبة غضب.
تعريف الشعور بالغضب:
الشعور بالغضب هو إثارة عاطفية تتبدى بحماس قوي إما بتعبير حركي أو لفظي أو بميل عدواني يصعب في بعض الأحيان ضبطه والسيطرة عليه، ويعد الجسم هو موضع التبدلات الفسيولوجية والعصبية الملاحظ .فترى في حال توسيع الشرايين احتقاناً بالوجه ,أما في حال الانقباض فترى شحوب في الوجه واصفراراً فيه , كما نرى سرعة في التنفس أو عرقاً يتصبب وهو التعبير للسلبية .
أشكال الغضب:
هناك أسلوبان للغضب هما:
الغضب الإيجابي.
وفي هذه الحالة يظهر على الطفل الصراخ أو الرفس أو كسر الأشياء أو تخريبها وعادة تظهر هذه الحالة لدى الأطفال الانبساطين.
الغضب السلبي:
وتبدو مظاهره في شكل انسحاب وانطواء مع كبت للمشاعر، حيث نرى الطفل يرفض الطعام
أو الذهاب للمدرسة، أو الخروج مع والديه. وتظهر هذه الحالة لدى الأطفال الانطوائيين.
أسباب الغضب:
هناك عوامل عديدة تؤثر في إحداث الغضب عند الأطفال فيما يلي أهم الأسباب لإحداث الغضب عند الأطفال:
1- إجبار الطفل على القيام ما هو لا يحبه كأن تأمره والدته بأن يحضر كاساً من الماء لأخته الكبيرة مثلاً.
2- التعرض لأوامر عديدة ومستمرة من قبل والديه مما يساهم في تراكم الضغوط التي تجعله ينفجر غضباً كأن تأمره والدته عدة مرات بأن لا يرتجي هذا الثوب.. أو لا يمشي مع هذا الشخص ... أو لا يستذكر دروسه وهو يشاهد التلفاز.. أو لا يخرج من البيت وهكذا مما يعرض من حرية الطفل ونشاطه.
3- تكليف الطفل بأعمال تفوق طاقته ولومه عند التقصير.
4- يحدث الغضب لدى الطفل عندما يفقد أحد ألعابه التي يحبها أو يقوم أحد الأخوة بكسر أحد ألعابه المفضلة.
5- كذلك يثور الطفل غضباً عندما يتم نقده أو لومه أو إغاظته أمام أشخاص لهم مكانة عند الطفل.
6- التدليل الزائد من قبل والديه بحيث يتم الاستجابة لجميع طلبات الطفل وإذا حدث في إحدى المرات عدم تلبية رغبته يتسبب ذلك في إحداث نوبات الغضب والصراخ.
7- أيضاً القسوة الشديدة وحرمان الطفل من تلبية رغباته كأحد العوامل الرئيسية في أحداث الغضب لدى الطفل.
8- عندما يتعرض الطفل لأوامر متناقضة من قبل والديه كأن يكون للأب موقف إيجابي نحو كل ما يقوم به الطفل بينما الأم موقف متناقض أو عكس الأب.
9- حرمان الطفل من الاهتمام والرعاية والمحبة من قبل الكبار.
10- يغضب الطفل إذا أخفق في دراسته أو فشل في الامتحان مما يتعرض لعدم فهم والديه ونقد ولوم شديد منهما .
شكل وتكرار نوبات الغضب :
تتخذ نوبات الغضب أشكالاً عدة فبعض الأطفال يندفعون بهياج ويجرون من مكان إلى أخر، وهم يصرخون ويصطدمون بأثاث المنزل. والبعض الأخر يلقون بأنفسهم على الأرض، ويتقلبون ويستخدم أخرون أي أداة تقع في أيهم لضرب الأشياء الواقعة في متناول أيديهم، ويضربون رؤوسهم بالحوائط إذا لم يكن هناك من بديل يضربونه. ومهما يكن الشكل الذي تأخذه موجة الغضب، فعلى الأم أن تدرك أنها ظاهرة طبيعية عادية فقط أوضحت الدراسات العلمية أن 60% من الأولاد و40% من البنات يصابون بنوبات الغضب عندما تبلغ أعمارهم واحد وعشرين شهرا .كما أوضحت تلك الدراسات أيضاً أن 14% من الأطفال يصابون بنوبات كثيرة عندما يبلغون من العمر سنة واحدة , في حين أن 50% منهم يصابون بنوبة كبيرة كل أسبوعين على الأقل .
ما الفرق بين سوء الطبع ونوبات الغضب عند الأطفال ؟
من المشكلات التي يصادفها الآباء لدى أطفالهم:
ما يتعلق بشخصية الطفل من غضب وسوء طبع وعصيان، فالأطفال الصغار غالباً ما يبدون نوبات الغضب تتمثل في ردود فعل من جانبهم على أوامر المنع التي يفرضها الأباء عليهم ولا تؤدي إلى نتيجة مجدية. فالبكاء الشديد الذي يطلقه الطفل، وضربه الأرض بأخمص قدميه، وأطباق أصابعه بأحكام، كل ذلك يخفي وراءه حاجة الطفل إلى الأمان أو الاستقلال أو التعاطف الذي يجوز انكاره عليه.
من جهة أخرى إذا رغبت الأم في عدم أطاله نزوع طفلها إلى هذه النوبات من الغضب فيحسن بها أن تحاول فهم ما يريد وتجبيه إلى طلبه. بيد أن من المستحسن دائما الحزم تجاه الطفل ومحاولة فهم ما يريد بدلاً من إرضائه عن طريق الاحتضان والعناق.
أما سوء الطبع فهو يشبه كثيراً نوبات الغضب من حيث أن الطفل السيء الطبع يطلق العنان إلى البكاء. ويبدي تصلباً ويضرب الأرض بأخمص قدميه.
أما الفرق بينه سوء الطبع ونوبة الغضب: هو أن الطفل في أثناء نوبة الغضب لا يزال يستطيع أن يفتح صدره لسماع صوت العقل، أو يستطيع السيطرة على نفسه، بينما يفقد ذلك في نوبة سوء الطبع فالأطفال في هذه الحالة يعبرون عن استيائهم أو غيظهم أو عدم الشعور بالأمان في نوبة سوء الطبع.
بالتالي نفس تقريبا آلية التعبير لكن بسوء الطبع لنوبة الغضب لا ترتقي فوق طبعه لأنه يفقد المنطق فهو يعتقد أنه الضحية وأن الأخرون قد أساؤوا فهمه.
وفي هذه الحالة ينبغي على الأم أن تتجنب أرضاء الطفل وأن تحاول إفهامه منذ البداية أن هذه الطريقة لا تحقق له مأرباً.
وأخيرا فالطفل يحتاج إلى تعاطف وسلطة أبوية في نفس الوقت ولاسيما في هذه المرحلة الدقيقة التي ينتقل فيها من طور الطفولة الأولى ولا يقدر أحياناً على معرفة تدبير أعماله وردود فعله وما على الأبوين سوى التجمل بالصبر ومحاولة غرس الثقة في نفس الطفل .
أساليب السيطرة على الغضب وعلاجه:
لا تستطيع الأم تفادي نوبات الغضب عند الأطفال، وذلك لأن مدى خيبة أمل الطفل تكون خارج نطاق سيطرتها. لكي تتجنب الأم نوبات الغضب التي تحدث عند طفلها عليها إتباع الأساليب العلاجية التالية:
1- إزالة جميع الأسباب المحيطة بالطفل والتي تسبب له الإزعاج وتثير لديه نوبات الغضب ومنها عدم تعرض الطفل للأوامر الكثيرة، وعدم تكليفه بأعمال تفوق طاقته.
2- وإذا غضب الطفل يجب على الأم أن تكون هادئة وتتحكم في ثورتها أمام الطفل. وتكف فوراً عن الصياح والهيجان واذا كانت في مكان عام لا تخجل تذكر أن كل الناس عندهم أطفال وقد تحدث لهم مثل هذه الأمور .
3- تخصيص وقت كافي للعب مع الطفل وعدم أخضاعه لجدول غير مرن من حيث المواعيد الدقيقة في الواجبات والنوم والدراسة.
4- تجنب التناقض في الأوامر بين الوالدين في تربية الطفل .
5- يجب على الوالدين أو الأخوة الابتعاد عن إثارة الطفل بهدف الضحك أو التسلية أو إذلال الطفل وتخويفه ولكن العمل على تهدئته.
6- يجب على الأم ألا تنفعل في تقييد حرية الطفل أو أراغمه على الطاعة بدون إقناعه أو إجراء حوار معه أولاً
7- إعطاء فرصة للطفل لممارسة هوايات متعددة كما يجب إعطاءه الوقت الكافي للعب حيث أن الطفل الغضوب يكون محروماً من ممارسة اللعب كما يجب مكافأته على إنجازاته أي الأعمال التي يقوم بها.
8- تجاهل الصراخ بصورة تامة، وحاول أن تريه أنك متشاغل في شيء أخر وأنك لا تسمعه لو قمت بالصراخ في وجهه أنت بذلك اعطيته لتصرفه ذلك ولو اعطيته ما يريد تعلم أن كل ما عليه فعله هو إعادة التصرف السابق.
9- إذا كنت ضعيفاً أمام نوبة الغضب أمام الناس فنتجنب اصطحابه إلى السوبر ماركت أو السوق أو المطعم حتى تنتهي فترة التدريب ويصبح أكثر هدوئها.
10- ومن المفيد عندما تستشعر أن الطفل سيصاب بنوبة الغضب قبل أن يدخل في البكاء حاول لفت انتباه على شيء مثير في الطريق ...إشارة حمراء ...صورة مضحكة .... أو لعبة مفضلة.
خطوات الضبط الذاتي:
من المفيد أن نشرح للطفل ما يحدث في الجسم وقت الغضب بشكل مبسط كأن نقول مثلاً: حين نغضب يتعطل جزء من المخ . وتصبح الانفعالات هي المتحكمة في الأنسان، وبالتالي يستطيع التحكم في تصرفاته.
بعدها نعلمه أنه مجرد أن يشعر بالغضب يسيطر عليه، لابد أن يفكر في كيفية استعادة التحكم في نفسه باستخدام تقنيات متعددة للتعامل مع الغضب منها :
1): القيام بنشاط ذهني / مثل العد حتى 10- الكتابة – مشاهدة أفلام ...وغيرها من النشاطات الذهنية المفضلة له .
2): القيام بنشاط بدني: مثل المشي بعيداً – الجري – لعب الكرة.. الخ .
3)- ممارسة هواية / مثل الكتابة والرسم والغناء والفنون التعبيرية الأخرى.
4)- تمرينات التنفس: بعمق وبهدوء.
5)- استخدام كرة الضغط.
6)- الاستعانة بالوقت المستقطع الإيجابي: حيث ينعزل الشخص لفترة قصيرة ويحاول أن يهدأ باستخدام التقنيات السابقة حتى يستشعر في نفسه القدرة على التفكير الهادئ والتصرف المناسب غير الانفعالي.
المراجع:
1- اكتشاف ومعالجة مشكلات الأطفال النفسية ، د. سوسن شاكر الجبلي ، كتاب رقمي ، 2024 ، الناشر KTAB INC.
2- كيف أدرب طفلاً التحكم في غضبه ؟ ، اليونسيف ، www.unicef.org.