الغضب عند البالغين - الجزء الثاني (العلاج بالتعرض)
الأخصائي النفسي : حسين الكنش
مقدمة:
لقد تم الحديث في مقال سابق حول مفهوم الغضب وكيف يمكنني التمييز بين الغضب الطبيعي والغضب المرضي بالاضافة إلى بعض الاستراتيجيات لإدارة الغضب والتي من أهمها مراقبة الضغط من خلال تحديد علامات الإنذار المبكر والتعامل معها والأمر الثاني تحسين مهارات التوصل مع الآخرين بالإضافة إلى الحوار مع النفس وخاصة في بدايه الغضب والذي تجدونه بعنوان (الغضب عند البالغين – الجزء الأول).
وإذا لم تنفعك الأساليب السابقة في التعامل مع الغضب فقد تحتاج إلى قراءة المقال التالي.
وسنتحدث في هذا المقال عن العلاج بالتعرض للتعامل مع الغضب.
العلاج بالتعرض:
إن الاستراتيجيات التي تشجع على التجنب او الهروب من تحديات الحياة اليومية قد تكون مفيدةً وخاضة في بداية العلاج ومع ذلك وعلى المدى الطويل فإنها تحد من فرص التطوير وقد تقوي الاعتقاد بأن المواجهة وحل المشكلة أمر مستحيل وفي الواقع فإن التغيير يتطلب أن يواجه المستفيد بمحض إرادته امرا شاقاً ويتحداه بحيث يبقى في تلك الأوضاع ذاتها ويتعلم مهارات جديدة للتعامل مع الأشخاص الضاغطين أو الظروف الصعبة ، و يقود هذا النموذج إلى علاج ناجح للعديد من المشاكل الانسانية وخاصةً في إدارة الغضب وعلاجه وهنا قد يتجاهل المستفيد والمعالج هذه الطرق المعتمدة على التعرض وذلك لعدة أسباب:
- المستفيد الغاضب سوف يقاوم تلك الطريقة لأنه لا يدرك لماذا يطلب منه أن يعيد مواجهة مثيرات الغضب وما ينجم عنها من مشاعر الغضب فقد تعود هؤلاء المستفيدون على التجنب تماما وربما لا يريدون مبدئياً أن يشاركوا ي جلسات التعرض وقد تأخذ مقاومتهم شكل عبارات مثل أنا أريد فقط أن أنسى ذلك الامر، ألا تريد ان تنسى لو كنت في مكاني .
- أثناء تمارين التعرض قد يصبح المستفيدون أكثر غضباً ولا يستطيعون السيطرة على غضبهم وقد يقذفون الممتلكات بعنف أو يخربونها (وجد الباحثون أن تقنيات التعرض إذا خطط لها بعناية تؤدي إلى استجابات غضب أقل وتناقص الغضب المرافق للهياج الجسمي وهي موثوقة بالنسبة للمستفيدين والمعالجين وخاصةً أثناء العمل بالتعاون بين المستفيد والمعالج لشرح ما يمكن حدوثه وأخذ قرار مشترك.
وسنحاول عرض بعض الاستراتيجيات التي تقوم على التعرض وهي مفيدة لتساعد المستفيد في إدارة الغضب:
1-تعرض كلامي.
2- تعرض تخيلي.
3- التعرض في الواقع الحي.
وقد تم تجهيز بعض الإرشادات لتحديد ما إذا كان التعرض مفيداً لمستفيد بشكل خاص دون غيره إلى جانب المحاذير الممكنة بالإضافة إلى تقديم اقتراحات من أجل انجاز التعرض وسيتم الحديث عن بعض التفاصيل لبيان كيف يعمل التعرض لانقاص الغضب ويمكن أن يُعرض هذا التحليل بشكل مبسط على المستفيد ليشارك على أساس معرفته وتوقعاته حول العلاج.
كيف يعمل التعرض؟
يذكر الكثير من المستفيدين أن غضبهم يظهر بشكل فوري في أوضاع ومواقف معينة أو في حضور اشخاص محددين ويقولون أن الغضب يأتي عليهم دون غيرهم ويقدمون جمل مثل أنا لا أستطيع أن أساعد نفسي كلما تحدثت إليه أبدو وكأنني دخلت في نزاع أو أشعر بأنني متضايق جداً.
إن المثير المتكرر الذي يبدو آلياً يقود إلى تجارب غضب وسلوكيات تعبيرية محددة وفي الحقيقة أن ردود أفعال هؤلاء الغاضبين هي على الأغلب وظيفة شرطية تحدث دون علمهم.
ولتوضيح معنى الوظيفة الشرطية سنعرض حاله حسن وهو معلم في 34 من العمر كان لديه صعوبات سابقة في التحكم في مزاجه خاصة مع زوجته التي تزوجها قبل ثلاث سنوات كان حسن ينفجر عند التعرض لحوادث صغيرة وخلافات بسيطة وحيث سُئل عن ذلك أقر بان ردود فعل غضبه كانت مبالغ فيها وكان لها تأثير سلبي في زواجه ومع ذلك كان يبدو أنه يحدث بشكل فوري ، حيث قال أظن أن الغضب تحت جلدي ولا أستطيع أن أساعد نفسي وهذا الأمر مشؤوم يحدث مرات ومرات على نحو متكرر وبعد رصد حوادث غضبه أصبح واضحاً أن حسن يظهر الغضب أثناء أي خلاف مع زوجته مهما كان صغيراً مثلاً أن تضع زوجته أي شيء في غير مكانه أو أن تقدم له طعاماً لا يفضله أو أن تلبس لباساً لا يفضل لونه ونتيجة هذا الغضب المستمر تدهورت علاقة حسن مع زوجته بشكل ملحوظ وقال نعم أنا أحبها ولكن أحيانا وبمجرد أن أراها أصبح غاضباً ولأن حوادث الغضب حدثت مرات عديدة فقد أصبح غضب حسن يحدث بشكل شرطي فقد تكون صورة الزوجة أو نبرة صوتها أو حركة يدها أحد أهم الاسباب التي تشعل الغضب عند حسن ، وهنا يمكن أن يعمم الغضب على مواقف مشابهه أو أشخاص آخرين كما أن التعبير المتكرر عن الغضب يمكن أن يزيد أو يعمل على استمراره كما أن الغضب يمكن أن يستمر لأنه قد يخدم صاحبه في إسكات أو ردع الأشخاص الآخرين ، وهنا يعمل التعرض على تكسير ردود الفعل الآلية المعززة عن طريق تعريض المستفيد بشكل متكرر لمثير الغضب تحت شروط مسيطرٍ عليها من دون إتاحة حدوث استجابات غضب معتادة ولا تعزيزات ، وهكذا فإن الربط بين المثير واستجابة الغضب سوف تضعف من خلال التعود على عدم الاستجابة مع الوقت.
مثال أن يسمع المستفيد جملة سلبية من أحد الرفاق وتتناقص ردود أفعاله مع الوقت، وفي الواقع أنه بعد 50 تكراراً أو ما يقارب ذلك نتوقع أن يكون المستفيد قادراً على ضبط رد فعله من دون إظهار استجابات الغضب، وبعد تناقص الاستثارة الجسمية يمكن أن يتعلم المستفيد اعتماد طرق بديلة أكثر فائدةً للتعامل مع المشكلة.
التعرض الكلامي:
حين تكون الكلمات هي أحد أسباب الغضب فيمكن العمل على التعرض لتلك الكلمات دون إظهار سلوك الغضب فأول خطوة هي وضع تقدير لدرجة الغضب في المحادثات مع الآخرين.
الخطوة الثانية: هي أن نحدد بشكل تعاوني مع المستفيد جمل تُعرض عليه وهي معروفة باسم التعليقات الكلامية اللاذعة . هذه التعليقات هي كلمات تسبب الضيق والتي يمكن أن تحدث بشكل واقعي في حياة المستفيد وهنا من المهم عدم مفاجأة المستفيد والتأكد من أنه يفهم ما الذي سيحدث ومن الجيد الحوار مع المستفيد لتتثبت من توقعهم بأنهم قادرون على ضبط أنفسهم وعدم الرد.
الخطوة الثالثة: بحال عبر بعض المستفيدون الى أنهم قد لا يستطيعون أن يبقوا مسيطرين على أنفسهم نقوم بعرض الأسهل وفي هذه الحالة مثلاً قد يكون الأمر مجرد تحديق وقد يكون مجرد حركات دون إظهار الكلمات.
الخطوة الرابعة: نحافظ على التعرض لعده مرات حتى يقل الارتباط بين مثير الغضب واستجابة الغضب وحتى ينخفض الضيق لدرجة يستطيع فيها المستفيد التعامل مع الموقف ولابد هنا من التأكيد على أهمية تهيئة المستفيد لتلك العملية والتي تقوم على أساس الاحترام والثقة بين المعالج والمستفيد.
محاذير استعمال التعرض مع المستفيدين الغاضبين:
١- لا يرى المستفيد ردود فعله الغاضبة على أنها مشكلة.
٢-عندما يكون الغضب نتيجة للدواء أو حالة طبية أخرى.
٣-عندما يكون الغضب نتيجة تعاطي المستفيد بعض المواد المنشطة.
٤-يعاني المستفيد من بعض مشكلات المزاج بالاضافة الى مشكلة الغضب
٥- لدى المستفيد بعض أعراض اضطراب الفصام.
٦- للمستفيد تاريخ من السلوك التهجمي.
٧-يعرض المستفيد مشكلة خطيرة من السلوك المضاد للمجتمع.
التعرض التخيلي:
قد يصبح المستفيد غاضباً حين يقود سيارته في الزحام أو قد يغضب تجاه جهاز الفيديو الذي لا يتبرمج بسهولة أو تجاه الكمبيوتر الذي يعطي رسائل خاطئة أو اتجاه ممارسات يعتبرها فاسدة أو ظالمة في مثل هذه المناسبات لا يمكن استعمال التعرض الكلامي ومع ذلك يصح في هذه الاحوال تطبيق التعرض بالتخيل أو التعرض بالتصور أو بالخيال إلى جانب التعليقات اللاذعة لأن الخيال يسمح بعروض أكثر تعقيداً لمداخلات صعبة.
أول خطوة في استعمال التعرض بالخيال هي القيام بتقييم لحوادث الغضب لدى المستفيد ودرجة الشعور بالغضب في تلك المواقف من مئة.
الخطوه التالية هي تخيل الموقف وكأنك تشارك فيه بشكل واقعي حيث يؤدي التدريب على مشهد الغضب في الخيال إلى نقص الغضب مع تكرار التدريب ومع ذلك يرجح أن تحصل أفضل نتائج إذا كان المشهد مقترناً بالاسترخاء في مقاربة لانقاص الحساسية إبدأ بجعل المستفيد يسترخي ثم تعطي التعليمات لاستعادة مشهد الغضب في الخيال درجة درجة يمكنك أن تقود المستفيد كلامياً إلى حالة غضب.
أعطِه تعليمات بأن يبقي عينيه مغمضتين ويتخيل الموقف وكأنه يحدث فعلاً وبعد الانتهاء من المشهد يطلب من المستفيد تطبيق الاسترخاء العضلي بالإضافة للتنفس العميق ثم يعاد مشهد الغضب ثانياً وهكذا ...
إن جلسة التخيل يفترض أن تبدأ بالاسترخاء وتنتهي بالاسترخاء.
وقد يكون من المناسب الاستعانة بجمل ذاتية تكيفية يحفظها المستفيد ويقولها بعد عرض المشهد الخيالي لموقف الغضب والذي يساهم في قطع أفكار الغضب وتقليل الشعور بالغضب في الموقف المتخيل.
حين يحقق المعالج والمستفيد درجة معينة من النجاح في الجلسات ضمن المركز من المفيد مناقشة بعض المهام التي يقوم بها المستفيد في الحياة العملية حيث يعرض المستفيد نفسه لمواقف أو صعوبات واقعية ويحاول فيها منع ردود فعله المعتادة
هنا لابد من التاكد من مدى كون المهمة مناسبة لقدرة المستفيد وهل يمكن أن يواجه صعوبات في تطبيقها وإذا كان ذلك وارداً فيمكن أن نكرر التدريب في المركز لضمان نجاح التعرض الواقع.
وفي النهاية لابد من التأكيد على أن الغضب استجابة طبيعية لشعور الانسان بالأذى أو الحرمان أو الاحباط أو التهديد أو الخسارة كما قد يكون أيضاً استجابة مؤذية وضارة تُحدث نتائج مدمرة في حال عدم التعامل معها بشكل جيد ربما ننفعل على من نحب ربما نفقد اعصابنا وربما نحول غضبنا الى أنفسنا فتساورنا مشاعر الندم والذنب والمرارة أو حتى اللامبالاة ولأن الغضب شعور نحرص على أن نخفيه عن أنفسنا وكذلك عن الاشخاص الاخرين فإننا في الغالب لا ندرك مدى تأثير هذا الغضب.
المراجع:
-جيل لندنفيلد (2008) إدارة الغضب: مكتبة جرير- السعودية.
- كاسينوف، هوارد. تافرات، ريمون. فاطمة صبري (2006) الغضب إدارته وعلاجه: السعودية - مكتبة العبيكان.
- فهد بن محمد الحمدان (2013) فن إدارة الغضب : مكتبة الملك فهد الوطنية - السعودية.